الاثنين، 26 أكتوبر 2009

بطيخ سـرشـكة . . بالعـافيـة



زراعـة متوارثة تعـود اليها الحيـاة

تصوير : لــؤي عـزيز عـزبو
تعـليـق : جميـل روفـائيـــل
و لـؤي عـزيز عـزبـو


تللسـقف ، تمثـل تاريخيـا ، وبكل جـدارة ، أحـدى أشـهر مناطق زراعـة البطيخ في العـراق ، حيث أن نوعـية تـربة أراضيها مناسـبة لأجـود أنـواعـه حـجما وطعـما وشـكلا وفوائد صحيـة . . وهـو بذلك كان موردا أقتصاديا مهمـا الـى جانب أنـواع الزراعـة الكثيـرة الـتي تصـلح لـها أراضـي تللسـقف الخصـيـبة . . وهـذا مـا جعـل للبطيـخ سـوقا شـهـيرة دائمـة في تللسـقف . . سـواء بأكـوامـه الموضـوعـة على الأرض بعـنايـة أو وهـو محـمل في السـيارات والعـربات


و يزرع البطيخ في تللسـقـف والمناطق المجاورة لـها في بسـاتين خاصة تسـمى ( ورزا ) وزارعة البطيخ في هـذه المنـاطق تعـتمـد عـلى الامطار , وهي مـنـتـشرة في تللسـقـف منـذ قـديم الزمان ولازالت مسـتمرة لحـد الان والبطيخ على انـواع وهي :

الاول يسـمى البـطيخ العـادي

والثاني يسـمى بطـيخ القـوش ويمـتاز بكبـر حـجـمه وبحلاوتـه الزائـدة .

وهـناك نـوع اخر يسـمى ( ملوكي ) ويكـون مخطـطا وبطـعـم رائـع .

ومن الدلالين الذيـن أشـتهروا في العـلوة ( الكب ) في تللسقـف هم المرحوم غـريب كوركيس , المرحوم روفـا شعـيا عـربو , المرحوم حـنو سيمو , ورحيم عـربو ,, وفي هذه السنة يقوم بالدلالية رمزي غـريب وفؤاد اصمان .


ويعـتـبر أهـالي تللسـقف خبـراء بزراعـة البطيخ ، بأخـتيار الأرض الصـالحة لـه تربـة وتسـميدا . . كـما أنـهم خبـراء في طريقـة زراعـته وتربيشـه وتخليصـه مـن الحشـائش وجعـل شـتلاتـه تنـمو حـرة من دون عـائق ، وبذلـك تعـطي ثـمرا كبير الحجـم مبـكر النضـوج بهـي الصـورة طيـب المـذاق



أديب شعـيا جبو مع عـدد من أبناء محلته يعـرضون بطيخ بساتيـنهم

فمـنذ مئـات السـنين ، أختصـت تللسـقف بزراعـة البطيخ ، ونالـت شـهرة بذلـك ، حتـى أن الباعـة ليس في تللسـقف وحـدها وأنـما في أماكن أخـرى صـاروا يتـباهـون بأسـم ( بطيـخ تللسـقـف )

لقـد كانت تللسـقف تـزود ( كـب ) الموصـل بأطنـان البطيـخ يوميـا طيلة موسـمه ، كـما كانت تزود مـدنا عـراقية عـديدة أخـرى بكميات كبيرة من بطيخـها منهـا بغـداد وكركـوك . . حيث كان المنادون في أسـواق البطيخ خلال الصيف تعـلو أصـواتـهم : بطيـخ تللسـقف حلـو و حـامض . . صحـة وعـافيـة




زيـاد يوسـف وبـهاء بطيخ تلاسـقـيـبا ـ تللسـقـف

وأهـل تللسـقف خبراء في أنـتـقـاء البـذور الممتازة لزراعـة أفضـل أنواع البطيخ ولذلك فأن الكثـير من العـائلات تسـمي بذوره الزراعيـة بأسـمائها مثل بذور شمشـتا وشـمعـونا وكنـوزي . . ألخ


وتأتـي شـهرة بطيخ تللسـقف ، لمنظـره الجـذاب ، حيث يختلط في قشـرته المزخـرفة اللونـان الذهـبي والأخضـر ، وأنـه طيب المـذاق بصـورة ملفـتة للنظـر ، ويعـود سـبب ذلك لملاءمـة منـاخ وتـربة الأراضي الزراعيـة المحيطـة بالقـرية لزراعـته ، أضـافة الـى مـا لاقـاه من عـناية بتحسـين أنواعـه منـذ عـشرات السـنين ، وأختـيار لأنـواع خاصـة منـه للزراعـة ، أسـتـنادا لخبرة أهـل القـرية ، من حيث الشـكل والمذاق والبـذور ، فجـاء بأنـواع عـدة ، منـها مـا هـو يمتـاز بكبـر حجمـه والجمـع بين طعـم الحـلاوة والحموضـة الخفـيفـة



طويــثـة عـزبو ومنظـر البطيـخ الجـذاب

وتنتشـر زراعـة البطيخ أيضـا في المناطق المجاورة لتللسـقف ، خصـوصا ألقـوش وقرى سريشـكة ودوغـات وحتـاره

في هذه السـنة كـثرت زراعـة البطيـخ في القـرية وتـركزت في طـريق الموصل القـديم , قرب الـتـل , سـادونا , طـريق القـوش وطــريق ( خور طيب ) وتعـتبر تللسقف من اكـبر الاسـواق في سهل نينوى من ناحية أنتـاج البطيخ وبيعـه حيث توجد فيها عـلوة كبيرة ( سـوق ) تسمى ( كب ) يتم فيها البــيع بطريقة المزاد الـذي يـبدأ مبكـرا من الساعـة السادســة صباحا أذ ياتي البائعـون من اهـل تللسقف والقـــرى المجاورة ويتم البـيع و الشراء

وفي العـلوة ايضا تـتفـق مجموعـة من اهل تللسقف ، التي ليس لـها بسـاتين بطيـخ ، وتشـتري كمية من البطيخ وتـقـوم بتقسيمه بين أفـرادهـا على شكل حـصص ثم يتم الاقتراع على الحصص بطريقة تسمى ( جهارا ) وبهذا يكون سعـر البطيخ ارخص مما لو تم شـراؤه بالوزن حيث يصل سعـر الكيلو بحدود 50 دينارا ، اما بالوزن فان سعـر الكيلو يبلغ كحد ادنى 150 دينارا و250 دينار كحد اعلى وحسب نوع البطيخ .



مـن أهـالي سـرشـكة مـع بطيخـهم في سـوق تللسـقف

وللبطيـخ الصـدارة بين فواكـه الصيف في العـراق ، لـما لـه مـن فوائـد صحيـة ، نظرا لنـوعية السـكر الموجـودة فيـه ومواده الغـذائيـة الأخرى ، أضـافة الـى أن لأليـافه فائدة كبيرة للمعـدة والهضم ومائـه الذي يطفـئ الظـمأ ويرطب الجسـم في قـيـظ الصـيف ، ويريح النفـس من خلال التـخفيف من الشـعـور بحـراة الجـو ، وينعـش الأنسـان لأحتـوائه على نسـبة عـالية جدا مـن المـاء .



تقسـيم الحصص بعـد شـراء مجموعـة من الأشخاص كومـة بطيخ كبيـرة

وبسـهولة ، يمكن للمـرء أن يلاحظ عـلاقـة البطيخ بنوعـية التربـة وطبيعـة المنـاخ وكميـة الأمطار السـاقطة خلال الشـتاء ، لأنـه من المزروعـات الديـميـة ، فأعـتياديا يزرع البطيخ في تللسقف ، التي تميل تربـها الـى السـواد ومناخـها يجمع بيـن السـهل والجبـل ، لوقوعـها في منطقـة تحاذي السـهل جنوبـا والجبـل شـمالا ، في النصـف الثاني من شـهر آذار وبدايـة شـهر نيسـان بعـد حراثـة الأرض بصـورة جيـدة ، ويبـدأ بالنضـوج أعـتبارا من أوائـل تـموز ، وتسـتمر شـتلاتـه بأعـطاء ثمـارها الجيـدة حتـى أواخـر آب

أزاء هـذا فـمن حـق تللسـقف وأهلـها التباهـي بزراعـة البطيخ . . وبالعـافيـة لكـل من يأكل من بطيخ تللسـقف هـذا الصيف . . وألف هنـاء وصحـة


والبطيخ ، بحسب المصادر الطبية ، غني بالبروتـينات والفيـتاميـنات ، وهـو يحـتوي على مـاء وسـكر وبروتين وأليـاف ودسـم وفيتاميـن C وفيتـامين B وعلى بعض المعـادن المفيدة للصحة كالكبريت والفوسفور والكلور والصودا والبوتاس والكلس والحديد والنحـاس

وكان اهل تللسقف قديما يقومون بخزن البطيخ لموسم الشتاء عـن طريق تجـفيفه ويسمى ( حـلو جـك ) حيث يـحـوّل الى قطع صغـيرة ويجفـف في الشمس ويخزن بعـدها ، اما بذور البطيخ ( كلـي ) فانها من افضل الكرزات في القرية وكانت تـكرز بكثرة خصوصا بمناسـبات الاحاد والاعـياد وايام الشتاء الباردة ، ولايـزال لحد هـذا الوقـت تعـتبر هـذه البـذور من الكرزات المرغـوبـة حيث يصل سعـر الكيلو منـها الى 5000 دينار

وهكــذا تـتباهـى تللسـقف بسـوقها وبيـوتـها ببطيـخها الرائـع البـهي . . هـذه الأيـام الصيفيـة الحـارة . . ومبارك للجميـع

الغـذاء لا الـدواء ) للدكتـور صـبري قـبـانـي : البطيخ عـلاج مـمتاز للأمسـاك ، اذا أخـذ صـباحا على الـريق ، فـأن الميـاه الموجـودة فيـه مـن شـأنها أن تنـبه الأمعـاء ، فتنشـط حركتـها الأسـتداريـة

وقـد عـرفت فوائـد البطيخ العـلاجية منـذ القـدم ، فـنـصح شـيخ الأطبـاء أبـن سـيـنا ( عـاش بيـن 980 ـ 1037 م ) بأسـتعـماله في عـلاج البـهاق ( وهو مرض يتميز بظهور بقـع بيـض على البشـرة ) والحـزار ( وهو مرض ألـم الظهـر في العـمود الفـقـري )
وأثـبـت العـلم الحديـث أثـر البطيـخ في عـلاج ألتهـابات الجلـد وأورامـه . . وهـو أحـد الثمـار المفـيدة في التجميـل . . فـأن وضعـت شـرائحه على الجلـد المتعـفن تكسـبه نضـارة وليونـة ، وأن المثـابـرة على ذلـك لـمدة عـشرة أيـام ، كـفـيلـة بتحقـيق نتائــج باهــرة

ولا يخـفـى بـأن كل مـا فـي البطيخ مفيـد ، فبـذوره الغـنية بالدهـون والبروتيـنات تؤكـل محمصـة الـى جانب مـواد التسـلية اللذيـذة الأخرى المسـماة ( النقل أي الجرز ) وأن قشـوره ، سـواء خضراء أو يابسـة ، ذات أثـر فعـال في تسـمين الخـراف والعـجول عـند أضافتها الـى غـذائها ، وكذلـك فـأن شـتلاتـه بعـد انتـهاء موسـم ثمارهـا ، هـي غـذاء أخضـر تـتـقـبله الحيوانات بنـهم

والسـبب في كل هـذه النتائج الكبـيرة للبطبيخ ، هـو ملاءمـة التـربـة والمنـاخ والخبـرة الزراعـية . . المتـوارثـة في تللسـقف ، والموجـودة أيضا في القـرى المجاورة لتللسـقف . . اضافة الـى التعـاون بين تللسـقف وهـذه القـرى فـي مجـالات زراعـته وأنـتـاجـه

ويعـرض البطيخ في سـوقه بتللسـقف والأماكـن الأخـرى ، بطريقـة تقـليديـة ، على شـكل أكوام كبيرة وصغـيرة ، ويقـبل الأهالـي والتجـار على شـراء كل كومـة على حـدة أمـا بالتراضـي والتـفاهم مع صاحبـها أو عـن طريـق المـزايـدة بين الراغـبين في الشـراء

ويعـتبر البطيخ بالنسـبة لأهـل تللسـقف ومعـارفـهم ، من أفضل الهدايا في الصيف حيث يرسل الى الأقارب والأصدقاء في بغـداد والمدن الأخرى ، وكذلك نجد ان الأهالي من قرية تللسقف والساكنين في بغـداد والمدن العـراقية الاخرى ، يقومون بزيارة تللسقف خاصة في موسم البطيخ وتـزدحم بهم القرية وتـبـتهج لشهرين كاملين . . لأكل البطيخ

والشـوق الـى البطيـخ في الغـربـة والبعـد ، يـزداد ويتـرسـخ مع حلاوة تللسـقف وذكرياتـها الخالـدة عـند أهـلها أيـنما حلـوا وأيـنما رحلـوا وأقـاموا . . فالـعـين بصـيرة واليـد قصـيرة . . نعـم العـين تـرى البطيـخ شـامخا بهـيـا لـذيـذا عـطـرا كــما كـان دائمـا ، ولكـن وصـول اليـد أليـه صـعـب المنـال . . ويبقـى البطيـخ لمـن لا يصـله اليوم رغـبـة يأمـل أن تـتحقـق غـدا . . الغـد القـريب . . والقـريـب جـدا . . وبالصحـة والعـافيـة والهنـاء لكـل مـن يأكـل بطيـخ تللسـقـف . . ألف ألف عـافـيـــة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

E-Mail:shalalkajal@yahoo.com جميع الأراء والمقالات التي تنشر في الموقع تعبر عن أراء أصحابها ولاتعبر بالضرورة عن راي موقع http://www.shalalsreshke.blogspot.com/